( دعاء عظيم احفظه وحافظ عليه وأبشر بالخير)
قال الشيخ عبدالرزّاق البدر حفظه الله :
ومن الدعوات العظيمة التي كان يختم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من مجالسه،
ما رواه الترمذي وغيرُهمن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
"قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ
حَتَّى يَدْعُو بِهَؤَلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ:
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ،
وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا،
وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا،
وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا،
وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا،
وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا"٣.
٣ سنن الترمذي (رقم:٣٥٠٢) ، وحسَّنه العلاَّمة الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (رقم:١٢٦٨)
وهي دعوةٌ جامعةٌ لأبواب الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
وقوله: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ" أي: اجعل لنا حظًّا ونصيباً من خشيتك ـ وهي الخوف المقرون بالتعظيم لله ومعرفته سبحانه ـ ما يكون حاجزاً لنا ومانعاً من الوقوع في المعاصي والذنوب والآثام، وهذا فيه دلالةٌ على أنَّ خشيةَ الله أعظمُ رادع وحاجز للإنسان عن الوقوع في الذنوب، والله يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ، فكلَّما ازدادت معرفة العبد بالله ازداد خشيةً لله وإقبالاً على طاعته وبُعداً عن معاصيه.
وقوله: "وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ" أي: ويسِّر لي من طاعتك ما يكون سبباً لنيل رضاك وبلوغ جنَّتك التي أعدَدتَها لعبادك المتَّقين.
وقوله: "وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا" أي: اقسم لنا من اليقين وهو تمام العلم وكماله بأنَّ الأمرَ لله من قبل ومن بعد، وأنَّه سبحانه يُدبِّر أمورَ الخلائق كيف يشاء ويقضي فيهم ما يريد ما يكون سبباً لتهوين المصائب والنوازل التي قد تحلُّ بالإنسان في هذه الحياة، واليقين كلَّما قوي في الإنسان كان ذلك فيه أدعى إلى الصبر على البلاء؛ لعلم الموقن أنَّ كلَّ ما أصابه إنَّما هو من عند الله، فيرضى ويسلِّم.
وقوله: "وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا" فيه سؤال الله أن يبقي له السمع والبصر وسائر القوى؛ ليَتمتَّع بها مدَّة حياته.
وقوله: "واجعَلْه الوارثَ منَّا" أي: اجعل هذا التمتُّعَ بالحواس والقوى باقياً مستمرًّا بأن تبقى صحيحةً سليمةً إلى أن أموت.
وقوله: "واجعل ثأرنا على من ظلمنا" أي: وفِّقنا للأخذ بثأرنا مِمَّن ظلمنا، دون أن نتعدَّى فنأخذ بالثأر من غير الظالم.
وقوله: "وانصرنا على من عادانا" أي: اكتب لنا النصر على الأعداء.
وقوله: "ولا تجعل مصيبتنا في ديننا" أي: لا تُصبنا بما ينقص ديننا ويُذهبه من اعتقاد سيِّء أو تقصير في الطاعة أو فعل للحرام، وذلك لأنَّ المصيبةَ في الدِّين أعظمُ المصائب وليس عنها عِوَض، خلاف المصيبة في الدنيا.
وقوله: "ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا" أي: لا تجعل أكبر قصدنا وحزننا لأجل الدنيا؛ لأنَّ مَن كان أكبرَ قصده الدنيا فهو بمعزل عن الآخرة، وفي هذا دلالة على أنَّ القليلَ من الهمِّ مِمَّا لا بدَّ منه في أمر المعاش مُرخَّصٌ فيه.
وقوله: "ولا مبلغ علمنا" أي: لا تجعلنا بحيث لا نعلم ولا نفكِّر إلاَّ في أحوال الدنيا.
وقوله: "ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا" أي: من الكفار والفجَّار والظلمة.
وبهذا ينتهي الكلام على هذا الدعاء العظيم، وهو من جوامع كلم النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وبه مسكُ الختام، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا وعلى آله وصحبه أجمعين.
من كتاب: ( فقه الأدعيّة والأذكار للشيخ عبدالرزّاق البدر حفظه الله ج٣ ص٣٠٦-٣٠٨)
==================🌷 أخي المسلم أختي المسلمة ساهم فى نشر أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام الصحيحة لأن في نشرك لهذه الرسالة نشر للعلم الشرعي وجزاك الله خيرا